ابومنتهى
المدير العام
الدولة : عدد المساهمات : 343 تاريخ التسجيل : 06/11/2010 العمر : 44
| موضوع: الصحابي الجليل أبو الدرداء (رضي الله عنه) الثلاثاء يناير 18, 2011 12:07 pm | |
| الصحابي الجليل أبو الدرداء (رضي الله عنه) قاضي دمشق،
حديثنا اليوم حديثاً عن واحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ذلكم هو الصحابي الجليل أبو الدرداء (رضي الله عنه) قاضي دمشق، الذي كان –إلى علمه وفضله وأخذه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام- ذا قدم راسخة في التفكر والتدبر، والنظر إلى أفعال الله جل جلاله، بعين العبد الخاشع الذي يرى في كل فعل منها عين الحكمة الإلهية والعدالة الربانية.
وأبو الدرداء مشهور بكنيته، مختلف في اسمه: فقيل: عويمر بن زيد بن قيس، وقيل: عويمر بن عامر، وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن ثعلبة ابن عبد الله الأنصاري الخزرجي، حكيم هذه الأمة وسيد القراء بدمشق وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.
أسلم يوم بدر، وشهد أحداً وأبلى فيها(1) وعن شريح بن عبيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه يوم أحد: "نعم الفارس، وقال: هو حكيم أمين"
ولقد اشتهر –رضوان الله عليه- بالعزوف عن الدنيا، حتى ترك التجارة والربح الدنيوي، إلى العبادة والتفرغ للتجارة التي تنجي من العذاب الأليم، انقطاعاً للعلم والعمل وتفرغاً للعبادة. دعاه إلى ذلك خوف أن يأتي يوم الحساب، وقد أثقلت كاهله بأسباب المسؤولية والحساب، وهو يريد أن يلقى الله متخففاً من كل أثقال الدنيا وأعبائها، لعله يفوز برحمته سبحانه في يوم يشتد هوله، حتى تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
وفي شأن التفكر في آلاء الله تعالى وتدبر حكمه في ملكه وملكوته، قال رضي الله عنه: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة". وقد سئلت زوجه: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء. فقالت: "التفكر".
وهذا منه رضي الله عنه دليل فقهه لكتاب الله، ووقوفه عند مدلول آياته البينات، ففي العديد من الآيات نجد الدعوة إلى التفكر، وثناء الله جلت حكمته على أولئك الذين سعدوا بالتفكر الصحيح، فكان سبيلهم إلى رفيع المراتب، وعظيم المثوبة عنده سبحانه، وذلك في مثل قوله عز وجل: "قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون(1)" "إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون(2)" "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب". "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار. ربنا إننا سمعنا منادياًَ ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار(3)".
وانظر إلى هذا الدعاء الذي يخترق الحجب "ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" ولقد كانت الاستجابة، وكان الفضل العظيم والخير العميم، ذلك ما يحسه قلب المؤمن في ندى قوله –وهو الرحمن الرحيم "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب(4)".
وكأني بالآيات الكريمة توحي أن مقام التفكر ليس بالأمر السهل، فقد اقترن –كما نرى- بعزائم الرجال، وصبر المؤمنين المجاهدين الصابرين. وسبحان الذي من بعض فضله، ما يكون من العطاء والنماء.
وفي شأن الخوف من يوم الحساب، وإيثار الآجلة الباقية على العاجلة الفانية، والورع من أن تثقله المسؤولية في ذلك اليوم، قال رضي الله عنه: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر، فأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة، فلم يجتمعا، فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة. والذي نفس أبي الدرداء بيده ما أحب أن لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح منه كل يوم أربعين ديناراً، وأتصدق بها كلها في سبيل الله. قيل له: يا أبا الدرداء، وما تكره من ذلك؟ قال: شدة الحساب".
وفي إزاحة الستار عن شعور صادق بهذه الحقيقة وتذوق لآثار الأخذ بها نرى كلماته تحمل –مع صادق النصح للآخرين- صورة الوعيد المرعب لأولئك الذين لا هم لهم إلا جمع الدنيا من هنا وهناك، ناسين ما يثقل الكواهل من المسؤولية عما يجمعون قال في ذلك رضي الله عنه: "ويل لكل جماع فاغر فاه، كأنه مجنون، يرى ما عند الناس، ولا يرى ما عنده، ولو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظٍ شديد".
وإذا كانت الخشية على قدر المعرفة، فجدير بأبي الدرداء رضي الله عنه أن يكون على هذا القدر من خشية الله، وأن يكون في حسبانه دائماً شدة الحساب.. وكان دليل الصدق في ذلك صون نفسه عما يخلف ذلك.
على أنه رحمه الله ورضي عنه، قد أزال من النفوس ما يمكن أن يداخلها من اللبس، بسبب موقفه هذا، ويظن أنه يحرم على نفسه ما أحل الله في كتابه فأماط اللثام عن ذلك، مبيناً أنه يحب أن يكون من الذين لا تلهيهم التجارة والبيع عن ذكر الله وذلك قوله: "ما أقول: إن الله عز وجل لم يحل البيع ويحرم الربا، ولكن أحب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله".
ذلك ما ارتضاه لنفسه، وقدر أن يصبر عليه، وهو طريق التزمه وتحمل تبعاته، ولئن كان الإسلام لا يوجبه على الناس: إن أبا الدرداء رضي الله عنه لم يلزم به أحداً غيره. ولقد اختار لنفسه –بعد أن خبر قدرته- أن يستبرئ لدينه وعرضه بالإعراض عن الاستكثار من الدنيا بالتجارة وغيرها، والرضا بالقليل الذي يقوم بالإود ويحفظ الكرامة، حيطةً وحذراً من مزالق الأقدام، وما أكثرها، بل وما أوفر مداخل النفس والهوى إليها، ولم يدع يستثمر الوقت في طاعة الله، والتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنصح للمسلمين.
وسبحان خالق الإنسان، فلكل أهليته واستعداده، وكلٌّ ميسر لما خلق له..
أقول هذا: لأن أبا الدرداء رضي الله عنه يعلم أن الأمة مكلفة بإعداد القوة التي ترهب عدو الله وعدو المسلمين، والمال عنصر مهم على ساحة الإعداد، مضموماً إليه الطاقات العلمية والجسدية والنفسية وغير ذلك بعد الإيمان وصدق التوكل على الله: فمن كان قادراً مع الإسلام –من الناحية المالية والاقتصادية وعنده الأهلية لذلك- لا يجوز له أن يتخلف عن القيام بواجبه في إعداد القوة المستطاعة امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى بذلك؛ فالأمر واجب كفائي، إلا إذا توافرت أسباب الواجب العيني. ولم يتوافر ذلك في عصر أبي الدرداء رضي الله عنه، فكان صنيعه تضحية منه؛ إذ آثر العزوف عن جمع المال للثراء والمتعة ورضي قانعاً بالقليل الذي يكفي ولا يلجئ إلى التكفف لأن اليد العليا خير من اليد السفلى.
وما أقل ما تجد أولئك الناس القادرين على اقتحام غريزة حب المال والتملك، والله تعالى يصف الإنسان بقوله جل شأنه: "وإنه لحب الخير لشديد(1)".
ومهما يكن من أمر: فإن هذا ما يحسن تذكره –والله أعلم- عند قراءة تعليق الإمام الذهبي على مسلك أبي الدرداء عليه الرحمة والرضوان في هذه النقطة.
فقد أورد في "السير" ما أشرت إليه سابقاً وهو ما روى الأعشى عن خيثمة: قال أبو الدرداء: "كنت تاجراً قبل المبعث، فلما جاء الإسلام، جمعت التجارة والعبادة فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة" وهو ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ورواه الطبراني وأورده الحافظ في "الإصابة" ورجاله رجال الصحيح.
ثم قال الذهبي تعقيباً على ذلك: (قلت: الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قال هو طريق جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس مختلفة في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع، كالصدّيق وعبد الرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته ثم يعجز، وبالعكس: وكل سائغ ولكن لابد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال)(2).
وما من ريب في أن من ذاق لذة التفكر في آلاء الله –وفي الأرض والأنفس آيات للموقنين- واستشعر عظمة الله ومخافته، وكان على ذكر أن الآجال والأرزاق بيده سبحانه، وأنس بالعبادة الخالصة والخضوع الخاشع بين يدي رب العالمين.. هانت عليه الدنيا، ورأى في ملذاتها وخيراتها الزائلة معوقاً مما هو خير وأبقى، وصدق ربنا جل شأنه إذ يقول في محكم تنزيله: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً"(3) ويقول سبحانه: "وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون".
ولا شك أن من توفيق الله أن يجمع المؤمن المال، ويؤدي فيه حق الله ثم حق الأمة، وتكون الدنيا في كفيه لا في قلبه، وعندها تكون دنياه في عاجل أمره، مطيعة إلى الآخرة في أجلّ أمره، لأنه سخّر المال للخير، ولم يتجاوز حدود الله في جمعه، ولا ألهاه ذلك عن عبادة الله، وكما ذكر الإمام الذهبي كان عبد الله بن المبارك رحمه الله وأعلى مقامه في الآخرين نموذجاً رائعاً في وضع المال موضعه مع ساحة المعونة للفقراء والمعوزين وتيسير العيش وعبادة الحج لهم، مضافاً إلى ذلك، البذل العظيم على ساحة الجهاد في سبيل الله، فكان يجاهد بنفسه وماله، وكم وجّه القرآن الكريم إلى الجهاد بالأموال والأنفس!!
على أن أبا الدرداء رضي الله عنه –وقد أسلم يوم بدر- لم يفته أن يشهد مقارعة أعداء الله في "أحد" وقد أبلى البلاء الحسن في ذلك، قال شريح بن عبيد الحمصي: لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ليس لهم أن يَعلونا" فثاب إليه ناس وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى أدحضوهم عن مكانهم، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الفارس عويمر" وهو مرسل، لما أن شريح بن عبيد الحمصي لم يدرك أبا الدرداء(4)
(انتدبوا: أسرعوا - أدحضوهم: أزالوهم.)
هذا: ولم يعتزل الصحابي الجليل جماعة المسلمين ولا تقاعس عن واجب أو أداء حق من حقوق الأهل والأمة، وكان حريصاً على النصح، والإرشاد إلى ما هو الأقوم والأصلح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، الأمر الذي يذكر بما أورد الحافظ في "الإصابة" من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هو حكيم أمتي"(5).
انظر إليه يقول مرشداً ناصحاً، بكلمات هي من ظلال كلام النبوة: "لا تزالون بخير ما أمّرتم خياركم، وما قيل فيكم بالحق، فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله" وهذا دليل يؤكد أن انصرافه-جزاه الله خير الجزاء- عن الانخراط في صفوف المكثرين، لم يحل دونه ودون أن يكون اللبنة الصالحة دائماً في بناء المجتمع المسلم، يعمل على التذكير بأخلاق الإسلام، ومعايير الشريعة، ويقوم بواجب النصح أداءً للأمانة، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فهو من الجماعة المسلمة وإليها، ويد الله مع الجماعة.
جزى الله أبا الدرداء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الجزاء، وتقبّل منه صالح العمل، وما كان من الجهاد ونصرة الدين، والزهادة في الدنيا، والنصح للمسلمين، ورزقنا الله حسن الانتفاع بسيرة الصحابة عليهم الرضوان، ومن تبعهم بإحسان عبر تاريخنا الطويل، وصلى الله وسلم وبارك على إمام الهداة المجاهدين الزاهدين، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه، علماً وعملاً، وجهاداً، واستعلاءً على حطام الدنيا في تطلع صادق إلى حسن العاقبة يوم الدين، وعلى آله وصحابته البررة الأخيار، ومن اهتدى بهديه إلى يوم المعاد.
(1) انظر "طبقات ابن سعد" (7/391) "المعارف لابن قتيبة" ص: 259-268 "الاستيعاب لابن عبد البر".
القضاء
حدَّث يحيى بن سعيد قال: استعمل أبو الدرداء (عويمر) رضي الله عنه على القضاء فأصبح الناس يهنئونه، فقال: أتهنونني بالقضاء، وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين، ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبةً عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبةً فيه وحرصاً عليه.
وعن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى (مرض) فدخل عليه أصحابه. فقالوا: يا أبا الدرداء ما تشتكي؟
قال: أشتكي ذنوبي.
قالوا: فما تشتهي؟
قال: أشتهي الجنة..
قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟
قال: هو الذي أضجعني.. جزاك الله خيراً
وحدث أبو معشر القرظي قال: لما حضر أبا الدرداء الموت جاءه حبيب بن مسلمة فقال: كيف تجدك يا أبا الدرداء؟
قال: أجدني ثقيلاً.
قال: ما أراه إلا الموت.
قال: أجل.
قال: جزاك الله خيراً.
أحب..
وعن عمرو بن مرة قال: سمعت شيخاً يتحدث عن أبي الدرداء أنه قال:
أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي.
ومن وصاياه الجامعة التي تحس فيها أثر مدرسة الوحي، وترى من خلالها ما كان من صدق الأخذ عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وحبه أكثر من الوالد والولد والنفس، ووعي مقالاته ووصاياه وعياً أميناً يدل على صدق التمثل والانطباع، قوله رضي الله عنه: "اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم من الموتى، واعلموا أن قليلاً يغنيكم خير من كثير يلهيكم. واعلموا أن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى".
ويقول في موعظة لأهل دمشق: "..
مالي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به، وتركتم ما أمرتم به. ألا إن قوماً بنوا شديداً، وجمعوا كثيراً، وأملوا بعيداً، فأصبح بنيانهم قبوراً، وأملهم غروراً، وجمعهم بوراً. ألا فتعلموا وعلموا؛ فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في الناس بعدهما".
إنها موعظة جاءت بالدعوة الحارة الصادقة إلى العلم والتعليم –وذلك خصلة من أوليات خصال الإسلام؛ فلا خير في الناس بعد العالم والمتعلم، كما دعت إلى الزهادة الصادقة في الدنيا، ولفت النظر إلى العبرة بالماضين ماذا صنعوا. وما الذي آلوا إليه. فنعم الواعظ ونعمت الموعظة، وطوبى لأولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ولما كان أبو الدرداء دائم التفكر والتذكر، تملأ قلبه خشية الله، ويخاف أن يدركه الموت وهو مفرط في جنب الله.. رأيناه كثيراً ما يسائل نفسه عن العمل بما علم، وبماذا يجيب رب العزة حين يسأله عن ذلك يوم الحشر ويبدي خوفه الشديد من ذلك؛
فمن كلامه رضي الله عنه "أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت! لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها، الآمرة هل ائتمرت؟ والزاجرة هل ازدجرت؟ وأعوذ بالله من علم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع".
ألا يا ليت لمن يدعون العلم والمعرفة آذاناً تسمع وقلوباً تعي، ولكن الدنيا بزخرفها وبهرجها تلهي وتلهي، والنفس بشهواتها وغرورها تشغل وتشغل، حتى كأن بعضنا لا يؤمن بيوم الحساب، اليوم الذي يكشف الله عما ذا يكون فيه، من انقطاع الحيلة، وتعطل وسائل التمويه التي كانت في الدنيا فيقول: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون(11)".
وفي كلمة أخرى يقول: "إنما أخشى على نفسي أن يقال لي على رؤوس الخلائق: يا عويمر هل علمت؟ فأقول: نعم!! فيقال: ماذا عملت فيما علمت؟".
اللهم عفوك وسترك، إذا كان أبو الدرداء صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يخاف على نفسه هذه المخافة ويراقب هذه المراقبة؟ فماذا نحن فاعلون، وما الذي أعده أولئك الحمقى الذين يأكلون الدنيا بالدين، بل ماذا سيصير إليه أحمق الحمقى الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم.
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك واجعلنا برحمتك –ونحن المقرون بالتقصير- في عداد أولئك الذين يعملون بما يعلمون ولا حول ولا قوة إلا بالله..
* * *
ومن القواعد الذهبية للسلوك الذي يكون انعكاس العقيدة ما نراه في هذه الكلمات "ذروة الإيمان الصبر للحكم، والرضى بالقدر، والإخلاص في التوكل، والاستسلام للرب عز وجل".
وما نراه أيضاً في الذي كان يقوله إذا رأى جنازة؛ فعن شرحبيل أن أبا الدرداء كان إذا رأى جنازة قال: "اغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون، موعظة بليغة، وغفلة سريعة، كفى بالموت واعظاً، يذهب الأول فالأول، ويبقى الآخر لا حلم له".
رضي الله عنك يا أبا الدرداء وأجزل لك المثوبة بما علمت العلم، وذكرت بالآخرة، ووعظت الناس بحالك قبل أن تعظهم بقالك؛ فكنت القدوة الصالحة في أقوالك وأفعالك. وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير، والله المأمول أن يجمعنا مع قرائنا مرة أخرى على شذرات طيبة من حياة هذا الصحابي الجليل. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
| |
|
احمد جابر مشرف
الدولة : عدد المساهمات : 263 تاريخ التسجيل : 20/02/2011 العمر : 35 الموقع : albrens.ahmedgaber@facebook.com
| موضوع: رد: الصحابي الجليل أبو الدرداء (رضي الله عنه) السبت أبريل 30, 2011 10:24 pm | |
| | |
|